منتدى واوسي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

للتعريف بالمنطقة وتاريخها


    الأَسْرَارُ العِظَامُ فِي شَهْرِ الصِّيَام

    avatar
    فتح احمد


    المساهمات : 100
    تاريخ التسجيل : 09/04/2010

    الأَسْرَارُ العِظَامُ فِي شَهْرِ الصِّيَام Empty الأَسْرَارُ العِظَامُ فِي شَهْرِ الصِّيَام

    مُساهمة  فتح احمد الإثنين يوليو 22, 2013 4:05 am


    الأَسْرَارُ العِظَامُ فِي شَهْرِ الصِّيَام

    بقلم: علي بن محمد أبو هنيَّة


    الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه, أما بعد:
    فإن شهر رمضان من أعظم نعم الله على بني الإنسان, ومن أجود المنن الحسان على عباد الرحمن, نفحة من النفحات, وهبة من الهبات, وعطية من العطيات, فكم في العبادات التي شرعت فيه من العبر والمعاني الكريمة؟ وكم في الطاعات التي وردت فيه من الحكم والأسرار العظيمة, والتي لا يعرف كنهها إلا من أنار الله قلبه وبصيرته, وأضاء بالعلم النافع والعمل الصالح دربه ومسيرته, فلما نظرت إلى هذه العبادات وقفت وقفة المتأمل مشدوهاً أمام عظمة شارعها, وقلت: سبحانك من إله ما أعظمك! فما لك من تشريعٍ إِلّا وفيه خيرٌ أيُّ خيرٍ للعباد, علمه من علمه وجهله من جهله, فبذلت وسعي, واستفرغت جَهدي -وإن كان جهد المقل- في استخراج خفايا وأسرار هذا الشهر الكريم, وما فيه من المواعظ والعبر والتعليم, فإن يكن صواباً فمن الله وحده, وإن يكن غير ذلك فمن نفسي المقصرة ومن الشيطان.
    أبدأ فأقول:
    سر فرض شهر رمضان:
    قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
    لمَّا كانت النفوس البشرية تميل إلى الدَّعة والراحة, وحبِّ التنصُّل من الأوامر والتكاليف, فقد كان فرضُ صيام هذا الشهر الكريم أمراً ضرورياً ليتوجَّه العباد إلى عبادة الصيام, ويحصِّلوا ما فيها من الأجر والثواب, ويجاهدوا أنفسهم على طاعة الله, فالمفروض هو شهرٌ من اثني عشر شهراً, أو ثلاثون يوماً من ثلاثمائةٍ وستين يوماً, والنوافل والتطوع من الصيام طوال العام مما صحت فيه الأحاديث أكثر منه لو تأملنا, فهناك ثلاثة أيام من كل شهر, والاثنين والخميس من كل أسبوع, والعشر من ذي الحجة, وعاشوراء ويوم قبله, والستة من شوال, وشهر شعبان, وصيام شهر المحرم, وإن شئت صيام يوم وإفطار يوم, فكما نرى هنا أن التطوعَ أكثرُ من الفريضة, وهذا دارج في العبادات كلِّها أيضاً؛ ففي عبادة الصلاة فُرِضَ على العبد خمسُ صلواتٍ في اليوم والليلة, وإن شئت سبعَ عشرةَ ركعةً, وأما التطوع فما أكثره: فالسنن الرواتب اثنتا عشرة ركعة, وقيام الليل إحدى عشرة ركعة, والضحى ركعتان إلى ثمان ركعات, وسنة الوضوء, وتحية المسجد, وأربع قبل العصر, واثنتان قبل المغرب, وركعتا الشروق, وركعتان بعد العصر, ناهيك عن صلاة الاستخارة, وصلاة الاستسقاء, وصلاة التسابيح, وغير ذلك.
    وفي عبادة الزكاة فرض على العبد في ماله الزكاة مرة واحدة في العام, وأما الصدقات النوافل العامة فهي كثيرة وأبوابها معروفة مشهورة.
    وفي عبادة الحج فقد فرض الحجُّ على العبد مرةً واحدة في العمر, وأما حجُّ التطوُّع فهو أمر مندوب في كل عام.
    ومع قلة المأمور به فرضاً قياساً بالمأمور به ندباً نرى هذا التقصير عند كثير من المسلمين, والتقاعس عن أداء الواجبات المتحتمات, من تقصير في أداء الصلوات, والزكوات, والصيام, والحج, فكيف لو كان المفروض أكثر من هذا؟ بل كيف لو لم يفرض شيء أصلاً من هذه العبادات؟ من كان منهم تنشط نفسه, وترقى همته للقيام بها وتحصيل أجرها؟ إلا من رحم الله, والله المستعان.

    سر صيام المسلمين معاً وفطرهم معاً:

    عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الصوم يوم تصومون, والفطر يوم تفطرون, والأضحى يوم تضحون». (الصحيحة/224)
    وهذا فيه من إظهار وحدة الصف, وجمع الكلمة, والاجتماع على أداء هذه الشعيرة ما الله به عليم, وهو أمر مطلوب من وراء عبادة الصيام, فهو عبادة جماعية عظيمة, لذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته». مخاطباً جماعة المسلمين لا أفرادهم, سواء كان هذا الخطاب لكافة المسلمين, أم لمن كانوا في قطر واحد, وبلد واحد.

    سر الامتناع عن المفطِّرات (الطعام والشراب والنكاح) في نهار رمضان:
    قال تعالى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ﴾.
    فمع أن هذه الملذّاتِ كلَّها من المباحات, إلا أنها تصبح حراماً في نهار رمضان لأمرين اثنين: الامتثال لأوامر الله وانقياد النفوس البشرية لطاعته من جهة, ولتهذيب النفوس وتخليصها من علائق الدنيا الفانية, وتوجه العبد بكليته على طاعة ربه لطلب الملذات الباقية من جهة أخرى, دون انشغال هذه النفس بهذه الملذات الفانية, ولأن النفسَ البشرية مجبولةٌ على التذلل لمن كانت في حاجته, فإذا جاعت هذه النفس أو عطشت كانت أقرب إلى خالقها ومولاها منها في حال الشِّبع والامتلاء.
    فالعجب من أناسٍ عبَدوا أجسادهم الطينيَّة، وضيعوا آخرتهم لإشباع غرائزهم الحيوانية، وجعلوا بطونهم وفروجهم شغلهم الشاغل, وهمهم الدائم, ولسان حالهم يقول:


    إنَّمَا الدنيا طَعام وشراب ومَنام *** فإذا فاتَكَ هذا فعلى الدنيا السلام

    سر الصيام الحقيقي:
    عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» . رواه البخاري
    يعرِّف العلماء الصيام بأنه الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس, نعم هذا هو تعريفه الاصطلاحي, ولكن حقيقة هذه العبادة تكمن في الإمساك عن المحرمات, وهو أولى وأولى من الإمساك عن المباحات, فهذه المباحات من المفطرات من طعام وشراب ونكاح هي حلال في غير نهار رمضان, وقبل وبعد وقت الصيام, فإذا أفطر العبد عادت حلالاً, ولكن الصيام الحقيقي المطلوب هو عما حرم اللهُ أصالةً من الكلام المحرم؛ من غيبة ونميمة وكذب وبهتان وشهادة زور ولغو وغير ذلك, ومن السماع المحرم؛ كسماع الأغاني وغير ذلك مما حرم الله, ومن النظر إلى المحرمات من العورات وما شابه, ومن استخدام باقي الجوارح في معصية الله, كما قال -صلى الله عليه وسلم-: « ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم». (صحيح الجامع/5376)‌
    فهذا هو الصيام الحقيقي أن يكون عما حرم الله أولاً, ثم عن المفطرات من المباحات, وإلا فقد ضيع العبد نفسه وصومه, وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: «رُبَّ صائم حظُّه من صيامه الجوع والعطش, ورُبَّ قائمٍ حظُّه من قيامه السَّهر ».(صحيح الترغيب والترهيب/1084)‌
    فإذا صام العبد هذا الصيام كان هو الصائم حقاً, وزكت نفسه, وارتقى بها عن درجة البهيمية إلى درجة الملكية كما يقول بعض العارفين, وتحرَّر من سلطان غرائزه, وتغلَّب على شهوات بدنه.


    يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته *** أتطلب الربح مما فيه خسران؟


    أقبل على النفس واستكمل فضائلها *** فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

    فتعْجبُ من بعضهم؛ يسألك عن دخول الغبار في الأنف, أو وضع البخَّاخ في الفم, أو القطرة في الأذن, وهو يأكل جهاراً نهاراً لحوم المسلمين ولا يتحاشى عن ذلك, فهذا لم يعرف معنى الصيام, ولا فقه عن الله مراده.

    سر تصفيد الشياطين في رمضان:
    عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان أولُ ليلةٍ من شهر رمضان صُفِّدتِ الشياطينُ ومَرَدة الجن، وغُلِّقتْ أبوابُ النَّارِ فلم يفتح منها بابٌ، وفُتِّحتْ أبواب الجنة فلم يغلق منها بابٌ، ومنادٍ ينادي: يا باغيَ الخيرِ أقبِل، ويا باغي الشر أقْصِرْ ولله عتقاءمن النَّار، وذلك كلَّ ليلة».«صحيح الترغيب والترهيب»(998)
    لا شك أن هذا نعمةٌ من الله على عباده المؤمنين, ليتمكن الصائمون من الإقبال على طاعة الله, وإتاحة الفرصة لهم للتوبة والإنابة, لذا جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيمن ضيَّع هذه الفرصة أنه قال: «أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله, قل آمين, فقلت: آمين. قال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله, قل آمين, فقلت: آمين. قال: ومن ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله, قل آمين, فقلت: آمين».
    وذلك لأن الفرصة كانت متاحةً له بكفِّ الشياطين عنه وتصفيدها فضيَّعها في تحصيل هذه الخير العظيم.
    سر قراءة القرآن:
    قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾.
    وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾.
    نزل القرآن في هذا الشهر الكريم جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا, وبما أن القرآن هو كتاب الرحمة والهداية للبشرية جمعاء, ونزوله من أعظم النعم على بني الإنسان, والنعم تقابل بالطاعات, كان له مزية عن باقي الشهور بإقبال الناس عليه تلاوة وتدبراً, وهذا أمر فهمه سلفنا الصالح, فأقبلوا على كتاب الله في هذا الشهر, كما جاء عن بعض السلف: أنه كان يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال, وبعضهم في كل سبع, وبعضهم في كل عشر, وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة و غيرها, وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة, وعن أبي حنيفة نحوه, وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن و إطعام الطعام. وكان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم, ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف, وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.اهـ من لطائف المعارف لابن رجب.

    سر عبادة إطعام الطعام وتفطير الصائمين:

    عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من فطَّر صائماً؛ كان له مثل أجره, غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء».«صحيح الترغيب والترهيب»(1078)
    وذلك لتأليف القلوب وتقوية الأواصر, وشدِّ الوشائج, وفتح باب تحصيل الأجور, فتقوى الرابطة بين المسلم وأخيه, وفيه إظهار شعيرة الصيام, وخلق الرحمة والمودة بين الناس.

    سر قبول دعاء الصائم:

    قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة لا ترد دعوتهم الأمام العادل, والصائم حين يفطر, ودعوة المظلوم». رواه الترمذي(2526) وصححه الألباني
    دعاء الصائم مستجاب لأن نفسه تكون خاويةً من الملذات, فيكون أقرب إلى الله, فكأنما يقرع أبواب السماء بدعائه, فتفتح له هذه الأبواب, وكلما كان العبد أقرب إلى ربه كان دعاؤه مستجاباً أكثر, كحاله في السجود.
    وخُصَّ الدعاء الذي عند فطره بالقبول لأنه يكون في آخر عبادة الصيام, وقبل الانتهاء منها, وحينها يكون الصائم في أضعف حالاته, وبدنه في أهزل أوقاته, فكان الدعاء بمثابة الجائزة لهذا الصائم ليختم بها نهاره الذي قضاه في طاعة خالقه ومولاه, كحال الدعاء دبر الصلاة قبل التسليم.
    والدعاء الثابت عنه -صلى الله عليه وسلم-: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله». (إرواء الغليل/920)
    فكأن الصائم بهذا الدعاء يمنِّي نفسه ويصبرها بثبوت الأجر, ليشجِّعها على الاستعداد لصيام اليوم التالي والاستمرار في هذه العبادة العظيمة.

    سر كون الصيام مفتوح الأجر:

    عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قالرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«قال الله -عزَّ وجلَّ-: كل عمل بن آدمله إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به». متفق عليه
    وفي رواية لمسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف؛ الحسنة بعشر أمثالها, إلى سبعمئة ضعف, قال الله تعالى: إلا الصوم؛ فإنه لي, وأنا أجزي به».
    لأنه عبادة كلها صبر؛ صبر على طاعة الله, وصبر عن معصية الله, وقد قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. فاستحق هذا الصائم الصابر أن يكون أجره مفتوحاً لأن صبره كان مفتوحاً.

    سر كون الاعتكاف في آخر الشهر :

    عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان». رواه الترمذي (792) وصححه الألباني
    أول ما بدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الاعتكاف في أول شهر رمضان, ثم في أوسطه, ثم استقر في العشر الأواخر منه لأن ليلة القدر في هذه الليالي وفي الوتر منها تحديداً, وذلك ليدركها العبد, ويتمكن من تحصيلها, وكذلك لأن النفس تكون قد تربت على العبادة فتنشط لتحصيل هذه الليلة في هذه الأوقات.

    سر إخفاء ليلة القدر:

    قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إني خرجت لأخبركم بليلة القدر وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم, التمسوها في السبع والتسع والخمس». (الصحيحة/3592)
    لئلا يتَّكل الناس على الاجتهاد في العبادة في ليلة واحدة, بل يجتهدوا في جميع ليالي العشر الأواخر, وهذه هي الحكمة ذاتها من إخفاء الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة.
    سر العمرة في رمضان أنها تعدل حجة:
    قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «عمرة في رمضان تعدل حجة معي». متفق عليه
    جاء الحثُّ على الإكثار من التعبد لله في هذا الشهر, ولا شك أن في الحث على أداء العمرة حث على التفرغ للعبادة في رمضان؛ فمن انشغل بأداء العمرة تفرغ تلقائياً من شؤون الدنيا وتوجه للعبادة, وفي أي مكان؟ في أطهر بقعة قد أعدت لذلك.

    سر زكاة الفطر:

    عن ابن عمر قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة». متفق عليه
    شرعت هذه العبادة في هذا الشهر بالذات وعلى هذه الشاكلة تحديداً ليطهر بها العبد صيامه من اللغو والرفث, ومن منا لم يلغ ولم يرفث في هذا الشهر الكريم؟
    وسبب كونها في آخر الشهر ويوم العيد تحديداً ليكون العبد قد انتهى من عبادة الصوم, فتكون طهرةً لما مضى من صيامه, لذا لا ينبغي تقديمها على وقتها.
    ولتكون أيضاً توسعة على المساكين في يوم الفطر لكي لا يروا للأغنياء مزية عليهم.

    سر كون صدقة الفطر طعاماً لا مالاً:

    لأنها زكاة بدن من اللغو والرفث فهي أقرب إلى الكفارة, ككفارة اليمين, والظهار, والنذر, وما شابه, فشرع إخراجها طعاماً, أما المال فهو زكاة المال, ولا يصلح أن يكون المال زكاة للأبدان, كما لا يصلح أن يكون الطعام زكاة للأموال, والزكاة في الغالب تكون من جنس الشيء, أرأيت لو أن رجلاً أخرج زكاة ماله طعاماً, هل يجزئه؟ فكذلك لو أخرج زكاة بدنه مالاً لم يجزئه.
    فتأمل معي كيف اجتمعت أركان الإسلام في هذا الشهر الكريم؟!

    سر قيام الليل (صلاة التراويح):

    قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من قام رمضان إيماناًواحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه». متفق عليه
    فحتى يبقى العبد في عبادة دائمة, ويساوي بين نهاره وليله في طاعة الله بما يناسب وقته, في عبادة فيها مجاهدة للنفس بخلاف ما تشتهيه, فلما كان النهار وقتاً للمعاش والحركة والأكل والشرب حرم ذلك على الصائم ليجاهد نفسه على الطاعة, ولما كان الليل وقتاً للنوم والراحة والسكون شرع القيام والسهر في ذكر الله وتلاوة القرآن, فكل الخير في مخالفة النفس الأمارة بالسوء.
    وكما قال علي -رضي الله عنه-:


    والنفس تعلم أني لا أصدقها *** ولست أرشد إلا حين أعصيها

    فشرع القيام ليلاً وخاصة أن الصائم قد ثاب إليه جسمه بعد الإفطار, وتقوى جسمه بأخذه ما يحتاج إليه من الطعام والشراب والنكاح, فتأمل كيف أن هذا القيام لم يشرع في النهار والنفس ضعيفة لا تقوى عليه, وهذا من رحمة الله بنا, وخاصة أيضاً أن هدوء الليل أنسب لتلاوة القرآن وتدبره من غيره من الأوقات.
    وأيضاً فإن قيام الليل لم يشرع جماعةً على هذه الشاكلة في وقت آخر من العام, وفي هذا إظهار لوحدة جماعة لمسلمين قلوباً وأبداناً, ومن تأمل الحرم المكي وصلاة القيام فيه, واجتماع المسلمين من كل أقطار الدنيا ونظرة أعداء الإسلام إلى هذا المظهر, عرف أهمية هذا الأمر.

    سر عبادة السحور:

    عن عبد الله بن مسعود قال: قالرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تسحَّروا فإن في السحوربركة».متفق عليه
    شرعت هذه الأكلة المباركة للتَّقوي على عبادة الصيام, وملء البدن بما يلزمه من الوقود في آخر محطة من محطات الليل, لذا كان من السنة تأخير السحور.
    قالرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه». (الصحيحة/1394)
    وعبادة السحور أيضاً فيها مخالفة لأهل الكتاب وهذا أمر من ضروريات الدين.
    عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر». رواه مسلم

    سر تعجيل الفطر:

    عن سهل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر». متفق عليه
    لما كانت النفس قد أدَّت ما عليها من عبادة الصيام, وهي تتوق إلى الطعام والشراب شرع لها التعجيل بالفطر لأن هذا حقها من المباحات, ولكي لا تظلم من حقها شيء, كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا قضى أحدكم حجه فليعجل الرحلة إلى أهله فإنه أعظم لأجره». (الصحيحة/1379)
    فلما أدت النفس ما هو مطلوب منها استحقت هذا النهاية السعيدة, والنهاية الأخروية أكثر سعادة, كما جاء في الحديث: « للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه». متفق عليه
    وكذلك كي تستعد هذه النفس للعبادة التالية وهي القيام. فقد جعل الله لكل شيء قدراً.
    والأمر الآخر أن في ذلك مخالفة لليهود.

    وختاماً:

    فسر كل ما ذكرنا من العبادات والطاعات والقربات هو تحصيل تقوى الله, كما قال تعالى: ﴿...لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. فمن لم يحصل هذه الثمرة أثناء العبادة أو بعدها, فليراجع نفسه وليحاسبهاً فإن فيها خللاً, لأن العبادات مطلوبة لغيرها لا لذاتها, ولذا لم تكن الجنة جزاء لها وإنما هي سبب لدخولها كما في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لن ينجي أحداً منكم عملُه». قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله منه برحمته».



    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 6:31 pm